مقال قديم لسلامة أحمد سلامة ، كتبه أثناء مرض شديد ألمّ به. يبدو أن المرض بقدر ما يهدّ الجسد ، قد يحي الروح.. أحياناً
علي حافة الحافة!
أمضيت أسابيع الصيف الأخيرة أفتش عن الصحة في قلب المرض.. وبدا لي في لحظات أن كل شيء يمكن أن ينتهي عند نقطة قريبة جدا أقرب من حبل الوريد. ومن رحمة الله أن يظل الإنسان عاجزا عن تحديدها, جاهلا بأسبابها ومواعيدها. تلوح له من بعيد ولكنه لا يدرك مغزاها إلا لحظة وقوعها.. لحظة الخروج والرحيل.
كان سراب الإجازة الصيفية يتراءي لي من بعيد, وقد أعدت له زوجتي عدته. وكلما اشتدت وطأة الحر والرطوبة وضقت بأجهزة التكييف وهوائها غير الطبيعي, ذهبت بخيالي إلي قمة في الجبل تحاصرها الغابات. تغمرها خضرة الأشجار, ويعمها هدوء سماوي لا مثيل له.
ولكننا نخاف الرحيل, ونخاف ساعة الفراق ونخاف المجهول. وحين يدنيك المرض من مشارف الموت تتوالي ذكريات تتحدي النسيان. وتنبسط الحياة أمامك أو وراءك بكل تفاصيلها, وفي هذه اللحظات تتضاءل الأشياء والأحلام والآمال. ينكشف الزيف, وتبيض وجوه وتسود وجوه, يظهر الحب الحقيقي ويشحب وجه المنفعة والنفاق.
في هذه اللحظات لا يبقي بينك وبين الحياة غير حبل سري رفيع من اهتمامات طبيب بارع يحترم مهنته مثل عادل إمام طبيب القلب المشهور, أو أستاذ عالم يؤمن بإنسانية الطبيب فوق دواعي المهنة مثل جعفر رجب. تستدعي الواحد منهم في لحظات الأزمة أينما كان فيستجيب.
ومن من بين المحيطين من يهرع بالعون أو بقطع إجازة في مواسم الصيف والاسترخاء. باستثناء إدارة طبية محترمة مازالت من عجائب الأهرام تؤدي واجبها علي الوجه الأكمل!
في ظروف أخري تسمع مواء زملاء في دهاليز الصحافة. ولكنك باستثناء رجل كبير عظيم العقل والقلب مثل هيكل لا تسمع غير أصوات ضلت طريقها.. فلست نجما للسينما ولا لاعب كرة ولا أجلس فوق أكوام الشهرة.
تناوبتني أزمات صحية خلال السنوات الأخيرة كانت تفضي بي إلي حافة الحافة, ومازالت. تعلمت منها ألا مفر من الإقدام علي الحياة كلما امتد العمر ولا مهرب من مواجهة القضاء حين يحم!
فيارب.. بحق عظمتك وجلالك قد أرهقتني تجارب الوقوف بين الحياة والموت. وأضنتني الحيرة بين الذهاب والإياب. وتعبت من انتظار المجهول في انتظار ولوج الباب الموصود. واشتدت حيرتي وعجزي وهوان أمري علي نفسي.
يارب.. بحق قدرتك ورحمتك, أجرني من بؤس الحياة حولي. ومن تعاسة البشر في بلادي. ومن خراب الذمم وفساد الأنظمة وعفن الأمكنة, وطمع النفوس وانطفاء الروح وشيوع اليأس.
يارب.. يا مقدر الأعمار وحافظ الأسرار وغافر الذنوب والأوزار, بحق شهرك الكريم هذا, افتح لي طريق العودة بأمان وسلام!!
2 comments:
يبدو أن المرض بقدر ما يهدّ الجسد ، قد يحي الروح
أحييك على هذا التعبير أكثر من نقلك للمقال نفسة .. أوجزت الكثير في هذا التعبير
ربنا يعفو عنّا ويعافينا يا أحمد ، ويجعلنا نتعظ بما نسمع ونرى ، ولا يجعلنا عظة للآخرين
شكراً على تعليقك
Post a Comment