Sunday, June 6, 2010

علي حافة الحافة


مقال قديم لسلامة أحمد سلامة ، كتبه أثناء مرض شديد ألمّ به. يبدو أن المرض بقدر ما يهدّ الجسد ، قد يحي الروح.. أحياناً

علي حافة الحافة‏!

أمضيت أسابيع الصيف الأخيرة أفتش عن الصحة في قلب المرض‏..‏ وبدا لي في لحظات أن كل شيء يمكن أن ينتهي عند نقطة قريبة جدا أقرب من حبل الوريد‏.‏ ومن رحمة الله أن يظل الإنسان عاجزا عن تحديدها‏,‏ جاهلا بأسبابها ومواعيدها‏.‏ تلوح له من بعيد ولكنه لا يدرك مغزاها إلا لحظة وقوعها‏..‏ لحظة الخروج والرحيل‏.‏

كان سراب الإجازة الصيفية يتراءي لي من بعيد‏,‏ وقد أعدت له زوجتي عدته‏.‏ وكلما اشتدت وطأة الحر والرطوبة وضقت بأجهزة التكييف وهوائها غير الطبيعي‏,‏ ذهبت بخيالي إلي قمة في الجبل تحاصرها الغابات‏.‏ تغمرها خضرة الأشجار‏,‏ ويعمها هدوء سماوي لا مثيل له‏.‏

ولكننا نخاف الرحيل‏,‏ ونخاف ساعة الفراق ونخاف المجهول‏.‏ وحين يدنيك المرض من مشارف الموت تتوالي ذكريات تتحدي النسيان‏.‏ وتنبسط الحياة أمامك أو وراءك بكل تفاصيلها‏,‏ وفي هذه اللحظات تتضاءل الأشياء والأحلام والآمال‏.‏ ينكشف الزيف‏,‏ وتبيض وجوه وتسود وجوه‏,‏ يظهر الحب الحقيقي ويشحب وجه المنفعة والنفاق‏.‏

في هذه اللحظات لا يبقي بينك وبين الحياة غير حبل سري رفيع من اهتمامات طبيب بارع يحترم مهنته مثل عادل إمام طبيب القلب المشهور‏,‏ أو أستاذ عالم يؤمن بإنسانية الطبيب فوق دواعي المهنة مثل جعفر رجب‏.‏ تستدعي الواحد منهم في لحظات الأزمة أينما كان فيستجيب‏.‏

ومن من بين المحيطين من يهرع بالعون أو بقطع إجازة في مواسم الصيف والاسترخاء‏.‏ باستثناء إدارة طبية محترمة مازالت من عجائب الأهرام تؤدي واجبها علي الوجه الأكمل‏!‏

في ظروف أخري تسمع مواء زملاء في دهاليز الصحافة‏.‏ ولكنك باستثناء رجل كبير عظيم العقل والقلب مثل هيكل لا تسمع غير أصوات ضلت طريقها‏..‏ فلست نجما للسينما ولا لاعب كرة ولا أجلس فوق أكوام الشهرة‏.

تناوبتني أزمات صحية خلال السنوات الأخيرة كانت تفضي بي إلي حافة الحافة‏,‏ ومازالت‏.‏ تعلمت منها ألا مفر من الإقدام علي الحياة كلما امتد العمر ولا مهرب من مواجهة القضاء حين يحم‏!‏

فيارب‏..‏ بحق عظمتك وجلالك قد أرهقتني تجارب الوقوف بين الحياة والموت‏.‏ وأضنتني الحيرة بين الذهاب والإياب‏.‏ وتعبت من انتظار المجهول في انتظار ولوج الباب الموصود‏.‏ واشتدت حيرتي وعجزي وهوان أمري علي نفسي‏.‏

يارب‏..‏ بحق قدرتك ورحمتك‏,‏ أجرني من بؤس الحياة حولي‏.‏ ومن تعاسة البشر في بلادي‏.‏ ومن خراب الذمم وفساد الأنظمة وعفن الأمكنة‏,‏ وطمع النفوس وانطفاء الروح وشيوع اليأس‏.‏

يارب‏..‏ يا مقدر الأعمار وحافظ الأسرار وغافر الذنوب والأوزار‏,‏ بحق شهرك الكريم هذا‏,‏ افتح لي طريق العودة بأمان وسلام‏!!


2 comments:

يا مراكبي said...

يبدو أن المرض بقدر ما يهدّ الجسد ، قد يحي الروح

أحييك على هذا التعبير أكثر من نقلك للمقال نفسة .. أوجزت الكثير في هذا التعبير

عدى النهار said...

ربنا يعفو عنّا ويعافينا يا أحمد ، ويجعلنا نتعظ بما نسمع ونرى ، ولا يجعلنا عظة للآخرين

شكراً على تعليقك