Friday, June 11, 2010

تلاتة فى واحد


أصدر الأزهر بيان إدانة لممارسات الشرطة تجاه الشعب ، طالب فيه الريس بالتدخل فوراً لمحاسبة جميع المسؤلين عن تلك الممارسات حساباً عسيراً ، وإلا سيكون له موقف آخر. هذا وقد إعترضت منظمات المجتمع المدني وجمعيات حقوق الإنسان والليبراليين والعلمانيين وبقايا اليسار المصري على إصدار مثل هذا البيان لأنه يدعو إلى "الدولة الدينية" وتحالف قوى التخلف فى المجتمع المصري ضد تنويره وتحديثه وعصرنته. ورأت فيه عنصرية بغيضة ودعوة إلى التطرف والكراهية وتشويه لصورة مصر فى الخارج

هذا وقد أدانت هذه القوى الجماعة المحظورة ، ورأت أنها أحرجت الأزهر عندما قارنت موقفه الضعيف فى مساندة شعبه بموقف الكنيسة القوى عندما يحدث مكروه لأحد أفراد شعبها ، فإضطر الأزهر لإصدار بيان الإدانة. وحرصاً من هذه القوى المستنيرة على السلام العالمي والأمن ومحاربةً للإرهاب أصدرت بيان نبّهت فيه العالم إلى خبث الجماعة المحظورة

لم يتوقف الأمر عند هذ الحد ، فقد إنضم للسجال فيسبوكيون وبلوجريون. كتب أحدهم متهماً بالجهل وسوء النيّة القوى الداعية لدولة مدنية لأن الدولة فعلاً مدنية علمانية. وإتهمهم بالنفاق وبأنهم يعادون الإسلام ليس إلا ، وذلك لسكوتهم المطلق على موقف الكنيسة الرافض لتنفيذ حكم قضائي مستند إلى القانون الذى وضعته الكنيسة فى ثلاثينيات القرن الماضي ، بينما لايفوت عليهم أتفه المواقف لمجرد علاقتها بالإسلام

لم يمر هذا الكلام مرور الكرام. فكتب أحد أفراد قوى الإستنارة قائلاً أنه ضد إقحام الدين فى كل شىء وأن الموضوع مدني بحت ، وأنه لو كان الأمر بيده لحبس الدين فى المسجد والكنيسة فقط. علّق على هذا الطرح بالرفض بلوجري مسلم مؤكداً أنه مؤيد لموقف الكنيسة فى موقفها الرافض لتنفيذ حكم قضائي يتعارض مع فهمها لعقيدتها. وقال آخر أنه يتفق مع هذا التأييد لكنه إعترض على لغة التهديد المصاحبة لموقف الكنيسة ولإستقوائها بأقباط المهجر ضد الريس والخروج فى مظاهرات صاخبة. إستفز هذا الطرح أحد الخبراء بألاعيب النظام فقال فى إيجاز أن الحكومة مابتجيش غير بالعين الحمرا ، وعليه هو مضطر لتأييد لغة التهديد والتخويف ، وتمنى لو أن بيان الأزهر صاحبته مظاهرة مليونية تهز أركان السيستم

ختم أحد القراء هذا الجدال الذي أسماه كلام قهاوي لا يودي ولا يجيب ، وذلك بعد أن سحب نفس عميق من الشيشة ، منادياً بإتحاد الهلال والصليب فى مواجهة النظام المفتري الذي أذاق الشعب بمسيحييه ومسلميه الهوان. وطالب الكنيسة والأزهر بدعوة شعبيهما للخروج فى مظاهرة سلمية صامتة فى مواجهة النظام وشعبه ، وأن يكونوا على إستعداد لمواجهة إجرام النظام إذا دعت الضرورة. هذا ، وبعد أن سحب نفس عميق من سيجارة دخانها سميك جداً ، أثار أحد الحضور قضية شدّت إنتباه الجميع وهى هل تكون المظاهرة يوم الجمعة أم يوم الأحد؟

الموضوع تعليقاً على مقتل خالد سعيد

Sunday, June 6, 2010

علي حافة الحافة


مقال قديم لسلامة أحمد سلامة ، كتبه أثناء مرض شديد ألمّ به. يبدو أن المرض بقدر ما يهدّ الجسد ، قد يحي الروح.. أحياناً

علي حافة الحافة‏!

أمضيت أسابيع الصيف الأخيرة أفتش عن الصحة في قلب المرض‏..‏ وبدا لي في لحظات أن كل شيء يمكن أن ينتهي عند نقطة قريبة جدا أقرب من حبل الوريد‏.‏ ومن رحمة الله أن يظل الإنسان عاجزا عن تحديدها‏,‏ جاهلا بأسبابها ومواعيدها‏.‏ تلوح له من بعيد ولكنه لا يدرك مغزاها إلا لحظة وقوعها‏..‏ لحظة الخروج والرحيل‏.‏

كان سراب الإجازة الصيفية يتراءي لي من بعيد‏,‏ وقد أعدت له زوجتي عدته‏.‏ وكلما اشتدت وطأة الحر والرطوبة وضقت بأجهزة التكييف وهوائها غير الطبيعي‏,‏ ذهبت بخيالي إلي قمة في الجبل تحاصرها الغابات‏.‏ تغمرها خضرة الأشجار‏,‏ ويعمها هدوء سماوي لا مثيل له‏.‏

ولكننا نخاف الرحيل‏,‏ ونخاف ساعة الفراق ونخاف المجهول‏.‏ وحين يدنيك المرض من مشارف الموت تتوالي ذكريات تتحدي النسيان‏.‏ وتنبسط الحياة أمامك أو وراءك بكل تفاصيلها‏,‏ وفي هذه اللحظات تتضاءل الأشياء والأحلام والآمال‏.‏ ينكشف الزيف‏,‏ وتبيض وجوه وتسود وجوه‏,‏ يظهر الحب الحقيقي ويشحب وجه المنفعة والنفاق‏.‏

في هذه اللحظات لا يبقي بينك وبين الحياة غير حبل سري رفيع من اهتمامات طبيب بارع يحترم مهنته مثل عادل إمام طبيب القلب المشهور‏,‏ أو أستاذ عالم يؤمن بإنسانية الطبيب فوق دواعي المهنة مثل جعفر رجب‏.‏ تستدعي الواحد منهم في لحظات الأزمة أينما كان فيستجيب‏.‏

ومن من بين المحيطين من يهرع بالعون أو بقطع إجازة في مواسم الصيف والاسترخاء‏.‏ باستثناء إدارة طبية محترمة مازالت من عجائب الأهرام تؤدي واجبها علي الوجه الأكمل‏!‏

في ظروف أخري تسمع مواء زملاء في دهاليز الصحافة‏.‏ ولكنك باستثناء رجل كبير عظيم العقل والقلب مثل هيكل لا تسمع غير أصوات ضلت طريقها‏..‏ فلست نجما للسينما ولا لاعب كرة ولا أجلس فوق أكوام الشهرة‏.

تناوبتني أزمات صحية خلال السنوات الأخيرة كانت تفضي بي إلي حافة الحافة‏,‏ ومازالت‏.‏ تعلمت منها ألا مفر من الإقدام علي الحياة كلما امتد العمر ولا مهرب من مواجهة القضاء حين يحم‏!‏

فيارب‏..‏ بحق عظمتك وجلالك قد أرهقتني تجارب الوقوف بين الحياة والموت‏.‏ وأضنتني الحيرة بين الذهاب والإياب‏.‏ وتعبت من انتظار المجهول في انتظار ولوج الباب الموصود‏.‏ واشتدت حيرتي وعجزي وهوان أمري علي نفسي‏.‏

يارب‏..‏ بحق قدرتك ورحمتك‏,‏ أجرني من بؤس الحياة حولي‏.‏ ومن تعاسة البشر في بلادي‏.‏ ومن خراب الذمم وفساد الأنظمة وعفن الأمكنة‏,‏ وطمع النفوس وانطفاء الروح وشيوع اليأس‏.‏

يارب‏..‏ يا مقدر الأعمار وحافظ الأسرار وغافر الذنوب والأوزار‏,‏ بحق شهرك الكريم هذا‏,‏ افتح لي طريق العودة بأمان وسلام‏!!