Tuesday, July 29, 2008

ثلاثية


خبر شاهدته فى التلفزيون منذ أكثر من عام وأصبحت أرى الكثير من أحداث البلد من خلاله. الخبر كان عن طفلة مولودة بإعاقة ذهنية وجسمانية شديدة جداً مما إضطر والديها لإجراء جراحة لها لوقف نموها تماماً حتى تبقى صغيرة الحجم خفيفة الوزن فيستطيعا الإستمرار فى رعايتها بالمنزل وأيضاً لعدم تعريضها لتبعات البلوغ. تصرٌف يبدو غير أخلاقي لكن الوالدين رأيا أنهما فعلا ذلك لمصلحتها

Ashley

لا أعتقد أني أبالغ عندما أتصوّر أن البلد فى كثير من مراحلها كانت تشبه ما حدث مع هذه الطفلة من إعاقة نمو. فهناك دائماً من أعطى نفسه من صفة الوالدين السٌلطة فقط وتصرّف فى ماضى وحاضر ومستقبل البلد من مٌنطلق تلك السٌلطة.. ومن أجل إحكام سيطرته عليها وإستمرارها مادام حياً يجب أن تبدو دائماً فى حاجة لحمايته ورعايته وإن كانت هى فى الحقيقة فى حاجة لغرفة عناية مٌركزة بعد أن أصبحت ضعيفة هشة على يديه

الشىء المؤكد هو أنها لن تموت أبداً وأنه سيلحق بمن لعب نفس الدور معها سابقاً لكن ذلك لن يحل مشكلتها الأزلية ، فهى دائماً تتعافى وتنشط وتبهر الكل بشفائها الغير مُتوَقع لكن دائماً هناك المُتربِّص بها الذى يحرمها من أن تنمو ونبلغ سن الرُشد بعد أن تشفى

جمهور المشاهدين: ياترى الثلاثية الجديدة شكلها إيه؟

Tuesday, July 22, 2008

حسن أيوب


كثير من فضلاء هذا البلد يتم تغييبهم عن حياة الناس إما بسجنهم أو طردهم خارج البلد أو تجميدهم داخلها أو الإفتراء عليهم وتشويه سيرتهم لنعرف بعد موتهم أنهم كانوا يعيشون بيننا

فوجئت بعد وفاة المسيري أن هناك من لم يكن يعرف عنه شيئاً ، وقبل ذلك بفترة قرأت خبر فى صورة مقال عن وفاة شيخ لم أسمع بإسمه من قبل "محمد عمرو عبد اللطيف".. المقال وصفه كأحد أبرز علماء دراسة الأحاديث النبوية فى الوقت الحالي وبأنه كان ممنوع من إلقاء خطبة الجمعة وأى دروس دينية. حالات كثيرة مشابهة.. ليس فى المجال الديني فقط وأيضاً ليس فى مصرفقط وإن برعت فى ذلك

عرفت بالشيخ حسن أيوب منذ سنوات قليلة من خلال أحاديث له على موقع طريق الإسلام. معظم أحاديثه على ما يبدو كانت تسجيلات لخطبة الجمعة فى الكويت و السعودية حيث عاش وعمل بالتدريّس فى المعاهد الدينية هناك بعد أن قضى 20 عاماً معتقلاً فى مصر. إصرار غريب على مواصلة الحياة والعطاء بعد فترة إعتقال طويلة لم تخلو من تعذيب. الدروس التى سمعتها له خلت من أي إشارة لتلك الفترة من عمره. أعتقد أنه كانت عنده المقدرة على التسامح والتصالح مع تلك الفترة القاسية التى مرّ بها ونوكيل أمره فيها إلى الله. فالجو العام لما سمعته له من دروس كان يغلب عليه الفكر الوَسطي والأسلوب البسيط والروح المرحة.. وذلك فى رأي لا يمكن أن ينبع إلا من روح طيبة ونفس مطمئنة

قرأت بالأمس مقال عن وفاة الشيخ عن 90 عاماً.. رحمه الله وغفر له ذنبه وأسكنه فسيح جناته

حقيقي بلدنا ثروتها فى ناسها.. ومصيبتها أيضاً

تحديث: مقال للدكتور جابر قميحة عن الشيخ حسن أيوب


Sunday, July 13, 2008

شهر فى سنة


الشهر اللي قضيته فى مصر هذه السنة كان غير كل سنة

الأهل والأصحاب والأغراب.. الكل كان على وجهه علامات الضيق الزائد من حال البلد واضحة و فى كلماته شكوى من معاناة مستمرة معظم ساعات اليوم. فجأة الكل أصبح على دراية بأسعار الأرز والزيت والخضار و... بعد أن كان تطوُّر سعر هذه السِلع معلومة تخص سيدة البيت فى أغلب الأحيان. اللي ماعهوش بيشتكى وده مفهوم لكن شكوى اللي معاه كانت شىء جديد.. شكوة خوف من غضبة اللي ماعهوش ورغبة فى ضمان حد الكفاف له إتقاءً لشرِّه. منطق كله إنسانية!!

إستغربت لإستمرار نفس أسلوب التسعينات الإستفزازي فى الإعلان المٌلِحّ عن قصور وشقق مُميّـزة (مش مجرد فاخرة) وكأن المليارات اللي تم دفنها فى الساحل الشمالى وغيره كان لها عائد. كان أكثر شىء إستغربت له فى هذه الإعلانات هو إعلان على صفحتين بالأهرام عن بيوت نسخة فى شكلها الخارجى من البيوت الموجودة فى بلاد البرد والثلج.. سطحها هرمي لمنع تراكم الثلج ومياه الأمطارعليه. يعني تصميم مناسب لبيئة معينة ويعالج مشكلة لا وجود لها عندنا. مش عارف النظرة لكل شىء أجنبى على أنه الأصح والأفضل ممكن تروح بينا على فين تانى. المهم أن هناك مواصفات أخرى فى المباني فى تلك البلاد ممكن توفر مواد بناء وإستهلاك كهرباء وتحافظ على حرارة الشقق من الداخل لا يلتفت لها أحد بالمرّة.. وكأنها ماتجيش إننا نعمل حاجة فيها مصلحة ومافيهاش منّظرة

زرت صديق ساكن فى القاهرة الجديدة. الراجل دفع مبلغ كبير لإشتراك عائلي فى نادى رياضي بالمدينة تابع لشركات البترول ليجد بعد فترة أن هناك نادٍ آخر - مجازاً يعني - داخل النادى لتمييز فئة معينة من المشتركين وعزلهم عن بقية البشر داخل النادى. أو حسب وصفه سور يفصل بولاق عن الزمالك.. رغبة عجيبة فى تفسيم المجتمع لطبقات فى كل صغيرة وكبيرة وفى كل مكان

قادتنى الظروف لدخول محل السلاّب للسيراميك وفوجئت عند المدخل بؤرطة شباب متأيّـفين كل وظيفتهم أن يهبّوا واقفين عند دخول أحد الزوار! حسيت بخنقة فى المحل من كثرة تنوّع المعروض من سلعة لاتستحق كل هذا التنوّع. مش لاقى سبب واحد منطقي لضياع طاقات كبيرة وفلوس كثيرة فى تصميم بلاطة حائط أو أرضية والتفنن فى إختيار لونها ورسمها بأسلوب فيه مبالغة مفرطة. حتى محلات العرض عددها كبير وبعضها ضخم بشكل غير مفهوم

زوجة أخي كانت تحكي عن موقف تواجهه أختها وزوجها.. فبعد أن بنوا بيت جميل فى القاهرة الجديدة عبارة عن ثلاثة شقق منهم شقة للإبن المهندس فاجئهم الإبن بأنه لايرغب فيها ولا غيرها لأنه يريد الهجرة. أعرف أكثر من حالة مماثلة.. منهم من هاجر ومنهم من يسعى. ورغم ذلك مازال هناك أباء وأمهات يحلمون بصورة وردية للجد والجدة وبدون مبالغة ينفقون الكثير من حياتهم إن لم تكن كلها فى سبيل تأمين حياة مادية لأبنائهم لينتهي الأمر بعد ذلك بالأبناء والأحفاد فى بلد أخرى

سائق الميني باص الأخضر فى لحظة إنفعال بسبب الأزمة الناتجة عن تحديد الأجرة بجنيه وكسر من الصعب تحصيله يشتم نفسه بألفاظ نقاوة تبدأ بكوميديا سوداء يقر فيها بأنه فقري وكل ما يسيب شغلانة .... يقع فى شغلانة .... إندهشت من بشاعة الفاظ السب التى إستخدمها فى حق نفسه وإندهشت أكثر عندما سمعته وهو يعطى إحدى السيدات بقية الخمسة جنيه ويقول لها بكل هدوء وأدب حقيقي "إتفضلي يا أمي". المهم إنه فى الآخر قال "أنا خلاص عرفت الحل.. هي مالهاش حل إلا كده".. ماعرفتش إيه الحل اللي توصل إليه لأن سماع تلك الجملة شجّعني على النزول من الباص وإستكمال المسافة للبيت مشياً

مش عارف أنا ليه مقتنع بأنه ممكن إصلاح الحال


** كتبت البوست فى أبريل ولم تتغير قناعتي بَعد رغم متابعتي الدائمة للأخبار

Thursday, July 3, 2008

مشوار


ليس هناك أجمل من أن يعيش الإنسان حياة تٌحسب له ولاتٌحسب عليه ، وإن كان ذلك غير ممكن بدون إنتباه الإنسان لأفكاره وتوجهاته ووجود إستعداد طبيعي عنده للتغيٌر. لذلك أتصور أنه من سٌنن الحياة أن تأتي الأحداث التى تسمح بتسليط بعض الضوء على قناعات وأشياء كثيرة راسخة فى الذهن.. منا من يحجب ذلك الضوء عمداً أو يتجاهله ومنا من يدعه يأخذ دوره ويتفاعل معه

لم أقرأ للمسيري سوى مقالات له أو عنه ، بالإضافة للإستماع لحوار إذاعي معه

تحدث عن تحولاته الفكرية فقال: هناك حوادث كثيرة من أهمها ما حدث لي أثناء التدريس في كلية البنات عام 1970. كنت قد ألقيت محاضرة عن الاستنارة الغربية نوهت فيها بمناقبها الكثيرة بما في ذلك عقلانيتها. ولكنني في المحاضرة التالية كنت أدرّس الشعر الإنجليزي الحديث، وكان الدور على قصيدة ت.س. إليوت "الأرض الخراب" فتحدثت عن أزمة الإنسان الحديث وتفتته واغترابه عن ذاته وعن الطبيعة. وبينما كنت ألقي محاضرتي، أحسست بسخفي الشديد، إذ تساءلت كيف يمكن لحضارة الاستنارة أن تنتهي في ظلمات الأرض الخراب؟

كيف يمكن أن أبشر بالحضارة الغربية باعتبارها حضارة الاستنارة من الساعة التاسعة حتى الساعة التاسعة وخمس وخمسين دقيقة، ثم أبين لنفس الطالبات أنها في واقع الأمر حضارة الأرض الخراب من الساعة العاشرة حتى الساعة العاشرة وخمس وخمسين دقيقة؟ كان لابد أن أجد تفسيرا كليا قادرا على تفسير هذا التناقض، والوصول إلى الوحدة الكامنة خلف التنوع، بل خلف التناقض الظاهر الواضح

ومن الوقائع الأخرى الطريفة أنني كنت أكتب قصائد حداثية فأجد نفسي أكتب عن موضوعات حداثية، مثل غربة الإنسان وخيانة القيم...إلخ، وهي موضوعات ليس لها علاقة بتجربتي الشخصية وتتنافى مع رؤيتي الخاصة. وحيث إنني كنت لا أنوي نشر هذه القصائد، فالمسالة لا يمكن تفسيرها على أساس أنني أبحث عن رضا النقاد أو القراء، ولابد أن تفسر من الداخل، إذ يبدو أن خطاب الحداثة له حدوده وسقفه، فهو ليس مجرد أسلوب وإنما طريقة في الرؤية

كنت مرة أجلس مع ابني، وهو بعد طفل، نشاهد التليفزيون، وسمع من المذيع أن الغرب قد راكم من الأسلحة النووية ما يكفي لتدمير العالم أكثر عشرات المرات، ففوجئت به يضحك ملء شدقيه ويخبرني بشيء بديهي فاتني، وهو أنه بعد تدمير العالم مرة واحدة، لا يمكن تدميره مرة ثانية، ساعتها ضحكت أنا الآخر، وتدعمت شكوكي بخصوص عقلانية العالم الغربي "المتقدم" وبخصوص النموذج المادي.. الحوار

حديث شـيِّق للمسيري عن علمنة المجتمع وأشياء أخرى راديـو

تحديث: ملف آخر من الجزيرة به آخر مقال كتبه المسيري و أوضح فيه تأثير العَلمانبة على المجتمع